كنا قد تساءلنا معًاعن الأسباب التي تجعل سعادة الصيف منقضية؟ ولماذا تتبخر هذه البهجة مع أولى رياح الخريف، تاركة إيانا نتوق إلى ما فات؟ و كأنها فراشة جميلة ترفرف حولنا لفترة ثم تطير إلى غير عودة؟البداية تكون دائمًا من فهم المعتقدات الساءدة. وأول وأكبر الجدران التي تحبس سعادتنا داخل سجن الموسمية هوالاعتقاد بأن الاستهلاك هو طريق للسعادة.
1. الاستهلاك وهم نشتريه
مع أول إشراقة شمس الصيف، تستيقظ فينا رغبة غريزية جامحة للاقتناء والامتلاك. كما تتوق الأزهار للماء، تتوق أنفسنا لاستهلاك كل ما يرمز للفرح: نزيد من تناول الطعام في المطاعم، نُقبل على شراء الملابس الجديدة والأشياء البراقة، نحجز فنادقًا وشققًا صيفية بلا تردد. نعتقد أننا نشتري البهجة بعملية الشراء هذه. ودون أن ندري، ننقل مركز ثقل سعادتنا من حالتنا الداخلية إلى منتجات وخدمات خارجية.
يقول الفيلسوف إريك فروم: « الاستهلاك نشاط شغوف، يخلق الوهم بالنشاط، بينما في الحقيقة يجعل المستهلك أكثر سلبية. المستهلك هو آلة تهدف إلى الامتصاص الدائم. » نحن نستهلك التجربة كما نستهلك كوب العصير: بلذة لحظية، لكنها تنتهي بسرعة، تاركة وراءها ربما شعورًا بالعطش مجددًا. فحين تنفد لحظات الاستمتاع بانتهاء الاستهلاك، لا نعود لأنفسنا لنسأل: « ما الذي أسعدني حقًا؟ ». بل نسرع لزيادة الإنفاق في محاولة يائسة لتمديد تلك اللحظات السريعة. نذهب في رحلة ثانية، نشتري شيئًا آخر، نطلب المزيد من الطعام. هذه الحلقة المفرغة تستنزف طاقتنا ومالنا، وتعمق فينا إحساسًا بأن السعادة شيء خارجي يجب مطاردته دائمًا. في حين أن السعادة الحقيقية ليست شيئًا نمتلكه أو نستهلكه، بل هي شيء نعيشه من الداخل.
2. دائرة اللذة المفرغة
(Hedonic Adaptation) تؤكد الأبحاث في علم النفس الإيجابي أن التكيف اللذّي (مع اللذة)هو أحد الأسباب.أي أننا نتكيف بسرعة مع المقتنيات الجديدة والظروف الجديدة، فتفقد تأثيرها علينا .
دراسة شهيرة أجراها الباحثون « بريكمان و كامبيل » في سبعينيات القرن الماضي على الفائزين باليانصيب أظهرت أنه بعد فترة من الفرحة الشديدة، عاد مستوى سعادتهم إلى ما كان عليه قبل الفوز، بل وأصبحت المتع البسيطة أقل إشباعًا لهم
.تبين الدراسة بساطة،أن أدمغتنا مصممة للتكيف مع الظروف الجديدة – الجيدة منها والسيئة – والعودة إلى نقطة « استقرار » السعادة المعتادة لدينا . وهذا ما نعيشه في أمثلة العطلة الصيفية و الأمثلة من حولنا: كالشخص الذي كان سعيدًا بسيارته الجديدة لبضعة أسابيع، ثم عاد ليشعر بالرغبة في طراز أحدث. و أنت أيها القارء ، ذلك الهاتف الجديد الذي انتظرته بشغف أشهرًا، كم من الوقت استمر فرحك به؟ أسبوعان؟ شهر؟ قبل أن يصبح مجرد أداة اعتيادية؟كم من مرة قلت لنفسك: « سأكون سعيدًا إذا حصلت على ترقية »، « سأكون سعيدًا لو سافرت المكان الفلاني »؟ هذه « صيغة إذا/لو » هي أكبر دليل على ربط السعادة بحدث استهلاكي مستقبلي.
3. كيف نحرر السعادة من قفص الاستهلاك؟
هل هذا يعني أن نتوقف عن السفر أو الاستمتاع؟ كلا. السر في أن نغير نظرتنا لهذه الأشياء التي نعلق عليها سعادتنا. بدلاً من أن تكون الوجهة هي مصدر سعادتنا، يجب أن
تكون مناسبة أو مساحة تسمح لسعادتنا الداخلية الكامنة بالظهور والازدهار.الفارق دقيق وعميق.
إنه الفرق بين:
- الذهاب إلى الشاطئ لاستهلاك الشمس والبحر (فينتهي الشعور بمغادرته).
- والذهاب إلى الشاطئ لممارسة الوجود الكامل، واللحظة الحاضرة، والامتنان للجمال، والتواصل العميق مع من نحب. هذه المشاعر يمكن اصطحابها إلى المنزل و يمكن كذلك تحقيقها بأمور أخرى بسيطة كأخذ فنجان قهوة في الشرفة بهدوء و استمتاع بأشعة الشمس.
كان هذا في ما يخص معتقد ربط السعادة بالاستهلاك كجدارأول يحبس بهجة الصيف داخل دائرة مؤقتة، فمذا عن الجدران الأخرى؟ ما هي؟ و كيف يمكن التغييرها؟ هذا ما سنتطرق له في منشورنا القادم
مارية ودغيري
كوتش و مدربة تنمية ذاتية
باحثة في فلسفة السعادة
مهندسة دولة و ماجستير في ادارة الأعمال
مؤسسة مركز اليمامة للتطور
212654123023
contact@alyamamafordevelopment.com
#وهم_الاستهلاك #التحرر_الداخلي
#سعادة_دائمة #وعي_استهلاكي #تطوير_الذات
#HedonicAdaptation #MindfulConsumption #InnerFreedom
#LastingJoy #PersonalGrowth #BreakTheCycle