السبب الثالث لتبخر سعادة الصيف : الايجابية المؤقتة

النفسية الايجابية psychologie positive

« في الصيف نصبح أسياد اختياراتناا »

 التمرّد الجميل

في الصيف، يحدث شيء استثنائي: تنتصر إرادة الفرح على واقع الحياة. إنه تمرُّدٌ جماعي جميل على كل ما هو مألوف وثقيل.

تخيل معي هذا المشهد: نفس الشخص الذي يقضي أشهر السنة يشكو من ضغط العمل والمصاريف، يجده في الصيف ينظم رحلة عائلية، يسهر مع الأصدقاء، ويرفض الحديث عن « المشاكل » لأن « هاد الوقت ديال الراحة ».

رغم وجود نفس الهواجس المادية وهموم الحياة، نختار بذكاء عاطفي عالٍ أن نضعها على الرف مؤقتًا، ونغلق هاتفنا الداخلي الذي يردد هموم العمل والديون.

لكن لماذا لا نتمرد على المواقف السلبية طوال العام؟ لماذا نسمح لهذا التمرُّد الجميل أن يكون موسميًا؟

هذا هو الجدار الثالت الذي يحبس سعادتنا في الصيف : النفسية الايجابية المؤقتة أو إرادة البهجة المؤقتة.

١. تمرُّد الصيف: عندما تنتصر الإرادة على الظروف

« السعادة ليست في انتظار العاصفة أن تمر، بل في تعلم الرقص تحت المطر »

ارادتنا للبهجة في الصيف و حفاظنا عليها هو أقوى دليل على أن السعادة اختيار قبل أن تكون ظرفًا. فيه نثبت أن الإنسان يمكنه أن يُسخّر كل جهده – رغم ضغوطه – لصناعة البهجة. إنها « إرادة جماعية » للفرح:

أ) الذكاء العاطفي في أوجهfamille heureuse happy

نختار بوعي أن نبتعد عن الأشخاص والمحادثات « السامة » التي تثير همومنا. نرفض أن ندع المشاكل تكدر صفو اللحظة . و أذا بدأ أحدهم الحديث عن ارتفاع الأسعار أو مشاكل العمل، نسمع فوراً باللهجة المغربية : « بلاتي، دابا فالعطلة نهضرو على شي حاجة أيجابية! خلينا نستمتعو شوية » (كفى، نحن في الإجازة الآن! لنتحدث عن شيء أيجابي، دعنا نستمتع قليلاً).

ب) الاستثمار في الذاكرة الجميلة

. نبذل جهدًا إضافيًا، ندفع من وقتنا وطاقتنا ومالنا ليس لأننا أغنياء، بل لأننا نستثمر في ذاكرة عائلية لا تُقدَّر بثمن نشتهد في لم العاءلة و نحافظ على الجو الأيجابي بشتى الطرق. نطبق فعليا المثل المغربي الأصيل : « اللي بغى اللمة تيتعامى » (من أراد لمة الأحباب يتغاضى عن السلبيات أو النواقص). نستثمر في اللحظة، فتستثمر اللحظة فينا.

ت) خلق مساحة آمنة للبهجة

نصنع « فقاعة » مؤقتة من المرح، نحميها بوعي من اختراق هموم الحياة اليومية. نضع حدوداً واضحة: هذا وقت مقدس للفرح.

ث) السعادة في حسن التوقع

. في فصل الصيف، قليلاً ما ننتبه إلى أن التحضيرات لقضاء العطلة تتم بتشوق كبير وفرحة مشتركة، رغم العناء الذي قد يصاحبها. بينما تكون تحضيرات التنقل إلى مدينة أخرى، التي تفرضها ظروف العمل مثلاً، مرهقة ومكلفة.
وكذلك، في طابور كشك الآيس كريم، تجد الناس يبتسمون رغم الانتظار، بينما يصاب نفس هؤلاء بالتوتر إذا طال انتظارهم دقيقتان فقط في المصعد. هذه ليست صدفة، بل هي أمثلة واضحة تبرهن كيف يؤثر التوقع الإيجابي على مشاعرنا بالسعادة والاستمتاع بالوقت.

ج) فلسفة الفوضى المبهجةتحول transformation

كما تنفث أنوار الشمس الغبار عن الجدية الزائدة، وتجعلنا نستمد أشعتها للعودة إلى الاتصال بفطرتنا أو بطفلنا الداخلي. ومن هذا المنطلق، نوزع في الصيف الابتسامات، ونشارك اللحظات الجميلة والطعمات اللذيذة على طبيعتنا و دون تكلف، مما يجعل البهجة متبادلة ومضاعفة، فتغذي أرواحنا وتنيرها.

« تبسمك في وجه أخيك صدقة« 

« النبي صلى الله عليه وسلم

 نسمح لأنفسنا بالفوضى بكل رضا: منشفة مبللة تُلقى على الكرسي، أطباق غير مغسولة بعد حفلة شواء، ورمال متناثرة في كل مكان. نرتاح من قلقنا المعتاد حيال فوضى أطفالنا خلال العطلة، ونكتشف متعة اللعب معهم بكل عفوية وانطلاق.

هذه الفوضى تحمل في طياتها رسالة عميقة، إذ تعلمنا أن الكمال ليس شرطًا للسعادة الحقيقية، بل أن الفرح يكمن أحيانًا في اللحظات غير المنظمة التي نشترك فيها من القلب.

٢. الاستسلام في الخريف: عندما تنتصر العادات على الإرادة

« نحن لا نفقد الإجازة، بل نفقد العزيمة التي كانت لدينا أثناءها »

 مع انقضاء الصيف، نغيّر عقلية التمرُّد ونعود إلى عقلية الامتثال. الامتثال و الاستسلام لمنغصات الحياة فنغلق ذكاءنا العاطفي ونعود إلى طبع المواجهة و التدقيق في الجزءيات الا من رحم ربي. فتكون المشكلة الحقيقية ليست في عودة الهموم، بل في استسلام إرادتنا.

كيف يحدث هذا التحول؟

نعيد فتح الهاتف الداخلي فنسمح للهموم اليومية بأن تعود إلى مقدمة الوعي، وتسيطر على مزاجنا وتفكيرنا.

نتوقف عن حماية نفسيتنا فنسمح للمحادثات السلبية والأشخاص المستنزفين بالعودة إلى دائرة حياتنا دون أن نضع حدودًا.

ننسى قوة الاختيارالتي حبانا بها الله، فنتصرف وكأن البهجة مشروطة بظرف خارجي (الصيف)، وننسى أننا في الصيف اخترنا أن نكون سعداء رغم كل شيء.

ما يقوله العلم

دراسة رائدة في علم النفس الإيجابي أجرتها الباحثة سونيا ليوبوميرسكي تشير إلى أن:

  • 50% من سعادتنا مرتبطة بالجينات
  • 10% بالظروف الخارجية
  • 40% تقع ضمن نطاق تحكمنا من خلال الأنشطة الإرادية والاختيارات الواعية

هذا يعني أن 4 من كل 10 نقاط من سعادتنا في أيدينا! فلماذا نتخلى عن هذه القوة بمجرد انتهاء الصيف؟

٣. لغة التحول: من « ما عليش » إلى « و مشكيلة هذي »

« اللغة التي نستخدمها مع أنفسنا تشكل واقعنا »

🌞لغة الصيف – عقلية الحل:

حيث نحرص على انتقاء الكلمات الجميلة ،المبهجة و المشجعة فنبادر لأيجاد الحلول و الحفاظ على الأيجابية :

في الثقافة المغربية مثلا، نسمع هذه التحولات بوضوح في لهجتنا اليومية:

  • « ما عليش، الله كايعاون! » (لا بأس، الله معين)
  • « غادي ندبروها ونقضو عطلة زوينة! » (سندبر الأمر وسنقضي عطلة رائعة)
  • « المهم نكونو مجموعين و فرحانين » (المهم أن نكون معاً فرحانين)

🍂لغة الخريف – عقلية المشكلة:

تتغير لغتنا بانقضاء الصيف حيث تبرز الكلمات التي تركز على المشكل، تعرفه تعظمه أو تلقي به على مسؤولية الغير :

  • « وامشكيلة هذي » (أنها مشكلة)
  •  » متلقاش نحك راسي » (ليس عندي وقت للراحة)
  • « الدنيا صعيبة » (الحياة صعبة)

الملاحظة المذهلة: الظروف لم تتغير كثيراً، لكن النبرة والاختيارو اللغة تغيروا تماماً!

الخلاصة: كن متمرداً على المنغصات

enjoy familly مرح العاءلة

 لقد رأينا سويا كيف نصنع سعادتنا بأيدينا في موسم الصيف و بارادتنا. لكن هذه الأرادة الأيجابية المؤقتة هي الجدار الثالث الذي يحبس السعادة في الصيف.

إنه جدار نبنيه بأنفسنا حين نستسلم لفكرة أن السعادة موسمية. والحقيقة أنه إذا استطعت أن تكون سعيداً في الصيف في نفس الظروف، يمكنك أن تكون سعيداً في أي وقت. الأمر يحتاج فقط إلى قرار واع وتدريبات يومية. لذلك ابقى داءما متمردا على المنغصات وتذكر دائماً: أنت لست ضحية ظروفك، بل مهندس اختياراتك.😉

 

 

 

 

 

ماذا بعد؟

  هل بقي جدار أخر يقض سعادتنا و يجعلها مرهونة بأجواء الصيف؟

 في المقال القادم والأخير من هذه السلسلة، سنكشف عن الجدار الرابع الذي اذا تجاوزناه، يمكننا من الحفاظ على هذه الإرادة الأيجابية بكل واقعية.

شاركنا تجربتك: 

  1. ما العبارة التي تقولها عندما تواجه مشكلة؟ هل جربت تغييرها يوماً؟
  2. متى كانت آخر مرة قلت فيها « ما عليش » بلغتك وبصدق؟ كيف شعرت بعدها؟
  3. ما هو « الصيف المصغر » الذي ستخطط له هذا الأسبوع؟

شاركني في التعليقات تجربتك مع فلسفة « ما عليش »، ولنلهم بعضنا البعض في رحلة التمرد الجميل على المواقف السلبية!💭

مارية ودغيري

كوتش و مدربة تنمية ذاتية

 باحثة في فلسفة السعادة

مهندسة دولة و ماجستير في ادارة الأعمال

مؤسسة مركز اليمامة للتطور

212654123023

contact@alyamamafordevelopment.com

#إرادة_البهجة #فلسفة_ما_عليهاش #التمرد_على_الحزن #الثقافة_المغربية #تطوير_الذات #الذكاء_العاطفي #سعادة_الصيف #الوعي #الاختيار #عقلية_النمو

#WillpowerForJoy #MoroccanWisdom #PersonalGrowth #EmotionalIntelligence #Mindfulness #Choice #SummerHappiness #SelfDevelopment #PositivePsychology #Coaching

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *